حمر النواظر قصيدة للشاعر الأردني المبدع حبيب الزيودي بصوت الفنان الأردني عمر العبداللات وفي القصيدة كغيرها من قصائد حبيب الزيودي المُغناة قدرة على التقاط الألفاظ والعبارات النابعة من صميم الريف والبادية الأردنية، ومن عبارات هذه الأغنية وأغانٍ أخرى لحبيب، تغنى فيها بالوطن؛ الأرض والناس. (حمر النواظر) تسمية تطلق على فرسان قبيلة أردنية كان لها دور بارز مع الأسرة الهاشمية منذ قدوم الأمير عبد الله رحمه الله إلى شرق الأردن وهي قبيلة بني صخر، طبعاً مع غيرها من قبائل الأردن (الحويطات) وأهل البلقاء وغيرهم.
وتسميه ''حمر النواظر'' كناية عن الغضب وجيشان الرجولة، والتكنية هذه مستعملة في غير موطن من الوطن العربي، ويبدو لي أن حبيب في هذه الأغنية لا يقصد قبيلة بعينها إنما هو من باب المجاز حيث يريد فرسان الأردن بعامة.
ومما يرد في الأغنية (مبرشمين الأصايل):
حمر النواظر وافيات عهودهم مثل الصقور مبرشمين الأصايل
لفظة (مبرشمين) أخذها الشاعر مما يسمى (البريشمان)،وهو جرس صغير، يعلق في الفرس المدللة، وهذا النوع من الزينة أضرب على النحو الآتي:
1- القرقاع: وهو أكبرها، يوضع في رقبة (المرياع) فوهته مفتوحة.
2- الجرس: أصغر من القرقاع، يصنع من النحاس مفتوح الفوهة أقرب إلى الشكل المخروطي.
3- البريشمان: يبدو أن التسمية فارسية، وهو صغير الحجم كروي الشكل شبه مغلق، وهو زينة للفرس وغيرها، ويوضع منه الكثير حول نحر الفرس وفي السرج، فإذا ما تحركت أصدرت أصواتاً جميلة.
4- النحيلة: وهي بريشمان صغير بحجم النحلة، زينة للخيل وغيرها، وقد وجدت لقى أثرية تعود إلى حضارة آشور كانت على شكل أقراط وقلائد من هذه الأجراس الصغيرة فإذا ما خطرت الغانية أصدرت سمفونية موقعة مع خطو أقدامها. ومما يرد في هذه الأغنية:
مهبيشن الهيلِ: وتهبيش الهيل دقه برفق ولين في ما يسمى المهباش، وبذا يسجل لحبيب قدرته على تخير الألفاظ، فالقهوة تدق، والهيل يهبش، ولا يدق أو يسحن لأنه إن دق بلين ورفق حافظ على نكهته.
لم يكن الشاعر يوماً إلى ضمير أمته، ولم يكن الشعر إلا سجلا للناس وحركتهم في الحياة، كذا هو الشاعر الحقيقي، ويحمد لحبيب الزيودي قدرته الفذة على التقاط هذه الألفاظ وإعادة الحياة لها ونقلها للأجيال اللاحقة وحسبي ذكر بعض هذه الألفاظ: البيارق، عمود البيت، واسط البيت وغيرها الكثير تحتاج فعلاً لدراسة المعجم الشعري في هذه المقطوعات المغناة، ليس فقط لأنها على مستوى رفيع من الشعرية ولكن لدورانها على ألسن مختلف شرائح المجتمع.
وما أود التنويه له في هذه العجالة هو قدرة هذه المقطوعات المغناة على استقطاب مختلف شرائح المجتمع خاصة الشباب، خلاف ما يشيع على ألسنة منتجي الفن الساقط في الفضائيات أن الجيل يريد مثل ذاك الفن الرخيص، وكنت دائماً أجادل بأن الشباب إذا ما قدم لهم فن رفيع فإنهم أكثر الناس تعلق به، وخير شاهد على ذلك ما تحققه أغاني عمر العبد اللات من رواج ونجاح، وما حققته أغنية فيروز (سلم لي عليه) من نجاح.
ولست هنا مقارناً بين عمر وفيروز لأن لفيروز أرثها الفني المختلف، ولعمر خصوصيته الأردنية، وهنا لابد من التنويه إلى أن المبدع أديباً أو فناناً حتى يتمكن من الوصول إلى العالمية لابد له أن يعبر عن خصوصية الإنسان والمكان الذي فيه يعيش. لأن الآخر يود أن يراك أنت ويسمعك أنت لا أن يرى صورته فيك. تحية لحبيب، تحية لعمر، تحية إلى كل السفراء الطيبين الذين يجعلوننا نحب الأرض والإنسان أكثر. الرائ.