2024-05-16 - الخميس
مدير عام الضمان يلتقي بوفد مشروع النهوض بالحوار الاجتماعي في جنوب المتوسط (SOLID) nayrouz الإفراج عن المهندس ميسرة ملص nayrouz السعودية : محافظ جدة يدشّن معرض التوظيف ويرعى حفل "الخريج" لمعهد الإدارة...صور nayrouz مانشستر سيتي وبوما يطلقان القميص الجديد لموسم 24/25 nayrouz غوغل تعلن عن نموذجها الجديد للذكاء الاصطناعي nayrouz توضيح هام من الخارجية السودانية nayrouz استراتيجية تكتيكية وإعلامية لتحفيز عمل الأحزاب السياسية في الأردن nayrouz إشهار سلسلة "كتابة خلف الخطوط – يوميات الحرب على غزة" nayrouz التعليم العالي تعلن عن منح دراسية في بلغاريا- رابط nayrouz اعلان نتائج جائزة حبيب الزيودي امانة عمان nayrouz عقد القمة العربية على مستوى القادة في قصر الصخير nayrouz عبدالعزيز بن عياف" مستشارًا خاصًا لخادم الحرمين الشريفين nayrouz حملة نظافة في متنزه دوقرا باربد ..صور nayrouz طلبة الصيدلة بجامعة الزرقاء يزورون مركز أكديما للتكافؤ الحيوي والدراسات الصيدلانية nayrouz حالة رئيس وزراء سلوفاكيا خطيرة...بعد تعرضه لمحاولة اغتيال nayrouz هبوط اضطراري لطائرة إندونيسية في طريقها إلى السعودية...بسبب حريق في المحرك nayrouz وكالة موديز ترفع التصنيف الائتماني لبنك الإسكان nayrouz السعودية : صدور عدد من الأوامر الملكية.. تعيينات وإعفاءات nayrouz رصيف غزة جاهز .. والقوات الأمريكية: لم ندخل القطاع nayrouz أسعار الخضار والفواكه في السوق المركزي اربد nayrouz

أعلام من الطفيلة الأسطورة عطالله العدينات رحمه الله

{clean_title}
نيروز الإخبارية :
بقلم: يوسف المرافي 

 عام (٢٠٠٧ ) غيب الموت أحد أبرز  أعلام الطفيلة القدامى في التعليم و الشعر و الإصلاح والرجل الملازم للشيخ العلامة أحمد الدباغ - رحمه الله - ممن ورث عنه أسراره العلمية والدينية و الفقهية إلا أن تللك الأسرار و المعلومات النادرة بقيت في طي الكتمان بسبب وفاة الشيخ و تلميذه و لم تؤرشف أو تدون فلم نعلم بقيمتها و ثروتها إلا بعد وفاتهما وهذا الشيء المؤسف حقاً ، و مما يثير الدهشة و الغرابة أن الراحل العدينات أنه شاعرٌ فقط ، بينما تجد وأنت تبحث في سيرته وممن عاصروه أنه غير ذلك بل تعددت مناقبه بما تحمله من كنوز مدفونة و مجوهرات مغمورة و هذا الشيء الغريب العجيب حقا الذي يجعلنا في حيرة من أمرنا.

وانا  أسطر هذه الكلمات ، ذرفت دموعي وأنا أتوجع غضبا في سردي وأنا اسرد عن أحد أبرز أعلام الطفيلة ممن غيبوا عن المشهد واختزلت سيرتهم في كتابة الشعر و مضامينه ، بينما وأنا أبحث وأتقصى من كبار السن  أوردوا لي معلومات و حقائق وشواهد عن الراحل تشيب لها الرضع وتجعل الحليم حيرانا .

كان المربي الأستاذ عطالله العدينات صاحب حضور كبير ملفت للنظر في أربعينيات و خمسينيات القرن العشرين خلال مشاركاته في جاهات الصلح التي كان على رأسها في الطفيلة و خارجها حيث تتملكه جرأة في قول الحق و شجاعة في الخوض بدهاليز  السياسة و الأقدام في تحصيل حقوق المظلوم و صاحب الحق ، فهو فصيحٌ في اللغة ، ناقدٌ متمكن ، سريع البديهة ، كان ينظر له عندما يتوسط الجلسة كالسنديانة الشامخة، نظرا لما كان يمتلكه من الفراسة و الجرأة ، فيما أكد البعض على امتلاكه البصيرة و الحكمة و فنون الرد و الإقناع والمحاورة خلال حديثه و مناقشاته مع كبار و وجوه وشيوخ العشائر في عصره ، فقد سخر وقته لإصلاح ذات البين و حول الخصومة بين الفرقاء وصلاً وسعياً لمرضاة الله و خدمة للأهل و لو على حساب راحته و أسرته و له من المواقف الإنسانية الأخرى ما لا حصر لها مما أدخل محبته في قلوب الناس . 

كان بيته مفتوحا للجميع خاصة في الأيام الصعبة في زمن الثلاثينات و الأربعينات عندما كانت الطفيلة مركزا للقضاء يؤمها أبناء القرى للتسوق على رواحلهم ، حيث لا يستطيع أهل القرى البعيدة العودة إلى قراهم بنفس اليوم ، فلم يكن هنالك فنادق أو مطاعم ، فكانوا يطرقون الأبواب التي لا تصد في وجوههم و يقال أنه في أحد الليالي الباردة الماطرة ضاف الراحل العدينات سبعة رجال مع رواحلهم فاستقبلهم برحابة الصدر و هو لا يعرفهم و قدم لهم الشراب و الطعام وأعلف رواحلهم حتى غادروا في الصباح شاكرين ممتنين و كثير من القصص في هذا الجانب لا يتسع المقام لذكرها .

كان للراحل مواهب غير الشعر لم يسلط الضوء عليها لا من قريب ولا من بعيد للأسف الشديد بسبب صراحته الكثيرة التي جلبت عليه المتاعب خاصة في الدوائر التي عمل بها ، فقد كان لا يجامل و لا يداهن في كشف السلبيات و انتقاداها و مع ذلك التجاهل لشخصة إلا أنه كان موهوبا في كتابة العرائض الجماعية التي كانت ترفع بإسم أبناء الطفيلة للديوان الملكي و رئاسة الوزارة و الوزارات الأخرى لمطالب و حاجات عامة تتطلب اسلوباً قادرا على إيصال المعلومة و الطلب بأقل الكلمات و أبلغها ، كما كان ذكيا في كتابة البرقيات التي يطلب فيها نقل موظف ما لسوء سلوكه و عمله و إلغاء نقل آخر لحسن أدائه و محبة الناس له أو أي طلب آخر و هذه البرقيات تشبه إلى حد ما التوقيعات التي اشتهرت في الأدب العربي وتكتب ببلاغة و إيجاز . 

أسند إليه كتابة صكوك التوثيق بين الفرقاء كسندات الدين و البيع و الشراء و هذه تحتاج إلى صياغة دقيقة ؛ كونها تتعلق بحقوق الناس و حفظها ؛ كون هذا العمل الذي يقوم به الراحل العدينات كان في الثلاثينات و الأربعينات من القرن الماضي في ظل غياب التوثيق الإلكتروني والأجهزة و قلة المتعلمين .

كان يتميز بسرعة البديهة و الفهم و الإدراك  تجلى ذلك واضحا في نظمه للشعر المعاتب ورده على من كان يحاول معاتبته و إحراجه أثناء الجلسات التي كان يتسيدها خاصة في رده المقنع على من كان يوجه له الأسئلة العميقة ، يقال أنه سريع البديهة و الفطنة في رد الجواب بكل حكمة وروية ، فقد عُلم عنه أنه رد على سؤال أحد المشايخ المعروفين في إحدى الجلسات عندما أراد إحراج الراحل العدينات في موضوع خاص،  فما كان منه إلا الرد عليه مباشرة بجملة :" هي أعضاء حفظناها عند الصغر فحفظ الله لنا عند الكبر" ، حيث أفهم الشيخ وشعر بالذهول من حكمة الشاعر العدينات. 

 كان هو و قلة من أبناء الطفيلة يعنون في إقامة الأمسيات الدينية يأتي في مقدمتها ما يعرف بالمولد و المقصود به مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث كثيرا ما كان هو المنشد الأول في الطفيلة الذي يدير المولد ، فهو منشد عن حياة الرسول محمد صلى الله عليه و سلم ، ساعده في ذلك صوته الرخيم ، حيث يشحنك بروحانيات و أنوار نبينا قعودا و قياما ، تسمو بروحك إلى العلياء خفاقة تغرد في سماء تكهرب أجواء سماع أناشيد عن رسول الله شعرا و نثرا بصوت منشدها - رحمة الله عليه - تطرب الروح فرحا و اشتياقا الى رسول الله ﷺ ، تتخللها أجمل القصائد و الأناشيد التي ترتل بنسق متميز جاذب وبطريقة روحانية يستشعر بها السامع سموها خاصة فيما تنثره من روائح طيب و بخور .

يروى أن له صديقا ملازما - رحمهما الله - يتكلم اللغة العربية الفصيحة  و في أحدى دعوات المولد ، حيث تقابلا - و معهم مدعوون - على وليمة يتمازحان ، فقال صديقه : انظر يا عطاالله !
 اللحم إلى أهله يتقدم ! 
فرد عليه : يا رفيقي ! من كثر الحفر تهدم ! أي من كثر نبش الرز سقط اللحم نحوك .

 رحم الله أبا تيسير ! فقد فقدنا ابتساماته و ضحكاته ونقده و مزحاته و نكته و حكمته و أناشيده و أشعاره بصوته العذب الجميل ، فهو قمة في نظم الشعر و قامة في المجتمع و معلم خبير في نظام الكتاتيب ، ذكي ، سريع البديهة ، مفوه بالفصحية . 

رحم الله أبا تيسير و رفيقه اللذان اتحفانا بالبسمة و الضحكة النكتية  العابرة ! 
أنت أصل التعليم بعد العلامة الشيخ الدباغ - عليه رحمة الله - فمن لا أصل له لا تربية و لا تعليم له .

يرى البعض أن الراحل العدينات لم يتكرر شخص بصفاته في عصره ، حيث يوصف - رحمه الله - بالظاهرة كظواهر الطبيعة التي لا تتكرر و نادر حدوثها، فهو جمع بين عدة جوانب منها الأدبية و الشعرية و الإجتماعية و التربوية و الإصلاحية .

ولد الراحل العدينات  في الطفيلة عام  ( ١٩١٨ ) في ظل ظروف صعبة غير مستقرة و هو الأخ الشقيق الوحيد لثلاث شقيقات أحداهن من الأب، عاش حياة البؤس والفقر في عمر السادسة الحقه والده في المدرسة الحكومية آنذاك بالصف التمهيدي حتى الصف السادس مدرسة الطفيلة الإبتدائية و كان مدير المدرسة عبدالرحمن السوري، حيث كان له الدور في تنمية الموهبة لدى الراحل ، عندما درس من الصف الرابع و حتى  السادس كان يلقى كل الإهتمام من مدير المدرسة و المعلمين وعلى رأسهم مدير المدرسة منيف الرزاز جد دولة رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز و عبدالله العطيوي و سالم الشرايدة رحمهم الله ، ثم انتقل لإكمال الصفين السابع والثامن في مدرسة الكرك ، حيث كان في إمارة شرقي الأردن في ذلك الزمان ثلاث مدارس تجهيزي متوسط،  واحدة في الكرك ، و الثانية عمان،  و الثالثة في إربد ، و كان هنالك مدرسة واحدة تجهيزي كاملة للصفين التاسع و العاشر في السلط و لعل أشهر مدرسي هذه المدرسة حسني فريز و عبدالرحمن أبو غنيمة و الشاعر جميل ذياب  - رحمهم الله - و عندما أنهى دراسة الصف السادس رفض والده - رحمه الله-  أن يكمل تعليمه في السلط و طلب منه العودة للإشراف على تجارته و تربية الأغنام .

 بعدها أصر الراحل العدينات في عام (١٩٣٦) على فتح مدرسة خاصة (كُتّاب) لشدة تعلقه بالتدريس في ظل ظروف معيشية قاسية جدا آنذاك ، حيث حصل على إجازة من دائرة المعارف مع صديقه حسن القواسمة -  رحمه الله - و كانت ضمن غرفة في منزله المتواضع قرب قلعة الطفيلة و قد أسماها مدرسة الفلاح و كان الطلاب يتعلمون فيها قراءة القرآن الكريم و اللغة العربية والشعر و الحساب و التاريخ .

كان يقوم في مدرسته (الكتّاب) بتهيئة الطلاب لدراسة جزء عم و تدريسهم بعض الأحكام الشرعية من تجويد و قراءة مرتلة و كان الطلاب يحضرون معهم (الصحارى) (صناديق البكس ) مقاعد خشبية للجلوس عليها و كان يتوسط هذه الغرفة لوح أسود و يعلو الحائط صورة هتلر، حيث كان - رحمه الله - من أشد المعجبين به و هذا لغز محير لم يستوضح من الراحل سبب إعجابه حيث غادر إلى رحمة الله قبل سؤاله .

 زار المدرسة أو ما يعرف (الكتّاب) الملك عبدالله الأول المؤسس و وفق رواية الراحل العدينات كان الطلاب في حالة يرثى لها من ناحية النظافة الشخصية لشظف الحياة و العيش  في ذلك الوقت ، فقام بالتوجه بهم إلى عين الجهير في حارة البحرات للإستحمام و العودة بهم إلى الصف قبل حضور الملك المؤسس، و قد أعجب الملك وقتها بأداء المدرسة و بأسلوب تعامل الراحل العدينات مع تعليم طلبته و طريقة تعامله معهم و مستوى الطلبة الجيد في اللغة العربية رغم الظروف الصعبة التي يعانيها المجتمع في ذلك الزمان ، وأطلق عليها الملك المؤسس مدرسة الرشاد ، حيث بقي فيها الراحل العدينات لمدة ست سنوات غرس في طلبته قيم العلم والشغف وراء تعلمه و البحث عنه رغم التحديات القاهرة في ذلك الوقت . 

بعدها تم تعيينه معلما في وزارة المعارف مدرسة صنفحة والنمته لسنوات ، حيث  درسَ في مدرسة صنفحة و النمتة الطلبة الشعر على قافية البحر الطويل ، فقد كان ينمي لديهم حب الشعر و المواقف المؤثرة فيه ، كما كان يعلم الطلبة اللغة العربية و قراءة القرآن الكريم و الحساب  .

بعدها انتقل إلى مدرسة صرفا في مدينة الكرك ، حيث لم يمكث فيها طويلا وقتها قدم استقالته منها .

كان له الفضل الكبير في تعليم الطلبة و الجيل في ذلك الزمان اللغة العربية متنقلا من الكُتّاب إلى المدرسة الإبتدائية إلى مدرسة الرشاد .

في عام (١٩٥٤) تم تعيينه في الأشغال العامة حتى أنهى مدة تقاعده،  بعدها انتقل إلى العمل في مدينة البتراء مراقب ترميم و حفريات تحديدا عام (١٩٦٤ ) .

 اتصف - رحمه الله - بالموضوعية و بشخصيته الثابتة المتزنة فلم يعرف التزلف و المداهنة و كان يشار إليه بالبنان ، نظرا لعلمه و مواقفه وتواصله الإجتماعي مع أفراد مجتمعه و إبداعه الأدبي و مغامرته بتأسيس مدرسة خاصة في ظروف كانت صعبة للغاية .

ميوله الشعرية بدأت منذ نعومة أضافره ، حيث بدأ كتابة الشعر النبطي في عام (١٩٣٥)  تميز شعره بالعمق و دقة التصوير و التعبير. 

عشق الجمال و خاصة جمال الطبيعة و عاش حياته بحلوها و مرها ، حيث نهض في رسالة التعليم ، فكان له تلاميذه وفضله على جيل كامل . 

يوصف بأنه مبدع في هزله و جده ، صادق في تعبيره عن أحاسيسه و معاناته، يحلو له لقب الأستاذ حتى أصبح علما يحل محل أسمه .

أحب الشعر والأدب منذ طفولته و خاصة الشعر الجاهلي القديم، و كان يحب الشاعر المتنبي بشكل كبير و نظم الشعر و هو في سن صغير ، و كان يكتب بقلم (الكوبياء) على قصاص الورق وله أكثر من (١٣٠) قصيدة ، حيث جمع شعره في ديوان مخطوط موجود عند إبنه الدكتور حازم العدينات و لم يتم طباعته؛ لأن الراحل كان صريحا لا يحب التزلف و النفاق و هذه الصفات سكبها شعرا في ديوانه المخطط بين دفتي الأجندة . 

كما تضمنت مواضيع شعره الرثاء و الشعر الإجتماعي و الوصف من خلال وصف النساء و منطقة عفراء و جمالها ،  كما تضمن الغزل ، فقد كان مولعا بالجمال شأنه شأن شعراء الغزل كلهم الأقرب لشعر عمر بن أبى ربيعة في وصف المرأة ، كما احتوت مضامين شعره على الشعر الديني في مدح رسولنا الكريم في عيد مولده ، و كذلك شعر المناسبات الذي تضمن قصائد كثيرة جدا في يوم المعلم ، و كان يتمنى أن يبقى معلما طوال حياته حيث كان يعشق هذه المهنة حتى النخاع .

كتب الشعر في كافة المجالات الإجتماعية و كان القلم يطاوعه بطريقه تجمع بين الأسلوب القوي المشرق و العفوية و البساطة في التعبير، و كان لديه القدرة على الكتابة في مختلف الظروف و أحيانا تحت وطأة القلق و الهموم .

لقد كان وفيا مخلصا للبيئة التي عايشها و ترعرع فيها و تجلى هذا الإخلاص و الحب من خلال قصائد كثيرة مدح فيها الطفيلة و أهلها و كان يوصي أبناءه على التمسك بهذا الحب و هو يخاطب الطفيلة قائلا :
قف بي على هذه الروابي ساعة 
                                 ياصاح نسمع أعذب الأكان     
لتجود موهبتي و شاعري التي 
                             لازمنها ولهان طوال زماني
فخرير ماء السيل في جريانه 
                            يحكى حنين تلاعب الأغصان
وروائح القيصوم يزكيها الندى 
                                فتميل تيها بالرداء القاني
ياسيل أقسم أنني مغرم بك 
                               ما هامت الشعراء بالوديان 

كما نظم قصيدة عتابية عندما كان في سن (١٨) عاما في عقد قران الملكة زين و الملك طلال بطلب من رجالات الطفيلة الشيخ صالح باشا العوران و الشيخ مصطفى المحيسن ؛ لعدم دعوتهما لحضور عقد القران ، حيث لاقت قصيدته الإحترام و التقدير و نال جائزة خمسين دينارا في ذلك الزمن تعادل ٥٠ ألف في هذا الوقت التي خرج فيها عن عمود الشعر و بلغ من الإجادة والروعة المبتكرة ما لم يبلغه شاعر آخر ، و على ضوء هذه القصيدة التي زاد  عدد أبياتها عن (٨٠) بيتا قام الملك المؤسس بزيارة الطفيلة و من بعض أبياتها :
يا راكبا من عندنا فوق شعلان 
                               يخوي خوي الطير حيناً يقوم
خرجه عقيلي بالتحابيك غيان 
                                 واملي زهابه من جميع اللزوم
نخيه قبله صد لا تخش عمان 
                               واقطع فيافي برها والحزوم
حول وريض وارتكى ان كنت تعبان 
                                وفي باب القصر العز دوما يدوم
اسم القصر بالكون رغدان 
                       فيه البدر والخلق حوله نجوم
فيه الورد يسقوه في كل عدان  
                           والعبد للضيفان باليد يومي
يمكث ثلاث ايام ومنين ما كان   
                              بعد الثلاث أيام يعطي العلوم
الله يديمه جوزوا فيه عرسان  
                             ولو كان ما دزوا  علينا عزوم
راعي الفرح لابد من يكون نسيان  
                              وعتبنا على شاكر مكيد القروم
شاكر يا خلفة زيد لا تكون وهمان 
                                   حنا قرايبكوا عند اللزوم

عمل - رحمه الله - في نادي الأنصار عام (١٩٤٧) و كان الشيخ عبدالله العوران - رحمه الله - رئيسا و الشيخ محمد المرافي نائبا للرئيس ، بعدها كان له الفضل في تأسيس نادي الفضائل عام (١٩٤٨ ) هذه المرة كان برئاسة الشيخ أحمد الدباغ - رحمه الله -  وكان يضم مجموعة من الشعراء : محمد الداودية شاعر بدوي ، عبدالرحمن بن زايد شاعر ربابة،  وسمور الهلول وسليمان الشقارين كلا منهما عازفا على الربابة. 

سطع شعره في الغزل المحتشم الخيالي و المناسبات الدينية،  كما سطع شعره في مدح الرسول الكريم ، علاوة على القصائد الوطنية و الشعر الذي تناول مشاكل الناس في ذلك الزمان،  كما تناول شعره وصف الرثاء حيث كان يتمنى أن يبقى معلما و يخدم التعليم في الطفيله آنذاك . 

 يقال أنه التقى مع الشاعر عرار من خلال جلسة عادية، كما أنه أقام عند مصطفى المحاسنة متنقلا من الطفيلة إلى الشوبك إلى معان . 

اتصف بأنه رجل غيور على محافظته ، فقد كان ينحاز لها في شعره و جلساته المتعددة ، كما كان يحمل هم هذا الوطن على كاهله ، و أبرزها مشكلة الغلاء التي كانت تمس حياة الناس اليومية و ها هو من خلال هذه الكلمات النبطية المنسابة كإنسياب الماء الغمير يعرض هذه المشكلة و كأنه يعيش بيننا اليوم قائلا:
هب الغلاء بسرعة   وبدأ يمثل مسرحية 
كل يولول صائحا    لا يدري ما كنهُ القضية
في كل يوم موجة  أحمى من النار الهضية
التاجر المسعور يسعى   لابتلاعك في شهية 
وإذا ذبحت ذبيحة   عجفاء قلت لها ثنية 
والخضرجي بلؤمه    يعطيك أنواعا ردية
ثكلتك أمك يا قصاب  فأنت أسباب الرزية

لا زالت ذكرى الراحل العدينات الذي غادر الى جوار ربه بعد (88) عاما تعطر أرجاء المكان و ثنايا الزمان في محافظة الطفيلة، و لا زال أدباؤها و مثقفوها يذكرون فقيد الساحة الأدبية والشعرية و التعليمية بإجلال و أكبار، فقد ترك - رحمه الله - إرثًا شعريا زاد عن (130) قصيدة في مختلف الأغراض جادت بها قريحته المتألقة منذ سن الثامنة عشرة و على مدى (70 ) عاما .
ً
و من الاغراض الشعرية التي كتب فيها المرحوم العدينات الغزل و الوصف ، ويسجل له أنه وصف بدقة تقاليد عشائر الطفيلة حين يلوذ بسيدها ذوو الحاجات ، إضافة الى وصفه لكيفية عشق الطبيعة و الأرض التي تعني في محصلتها الوطن و واجب الذود عن حماها ، أما الغزل فجادت به أشعار الراحل العدينات في منتصف أربعينيات القرن الماضي ، وبشهادة من يقرأ اشعاره الغزلية بشقيها المادي والعذري التي تقترب من أسلوب شاعر الغزل المعروف عمر بن أبي ربيعة .

يسجل للراحل إسهاماته المشهودة في اثراء المشهد الثقافي الأردني منذ ثلاثينيات القرن الماضي على ساحة الطفيلة و الساحة الوطنية بشكل عام ، و تحفظ الذاكرة الأدبية و الثقافية الأردنية الكثير مما جاد به المرحوم من عطاء ذي شأن في هذا المجال .

لم يكن الراحل شاعرا و أديبا عرف بغزارة عطائه الأدبي فحسب، بل محبا للعلم والتعلم لإيمانه بدورهما في بناء نهضة الأوطان و أزدهارها ، بل ايضا صاحب رسالة إنسانية و إجتماعية نقلها لأبنائه خاصة ابنه البكر الشاعر تيسير - رحمه الله- الذي سار على نهج والده في إجادة الشعر و كتابته وأصبح شاعرا على مستوى الوطن يشار له بالبنان و الذي استلم  مناصب رفيعه في الأردن  و خارجه و أبنته التربوية مديرة المدرسة المتقاعدة هيام التي نالت جائزة القصة الأدبية في عام ( ٢٠٠٥) التي نالت إجازة في حفظ القرآن الكريم كاملا و تدرس بين الفينة و الأخرى الطالبات مجانا في احكام القرآن الكريم و تلاوته و حفظه و كذلك حمل صفاته لابناءه ممن يخدمون في مؤسسات الوطن واستلموا مناصب قيادية كالدكتور حازم العدينات الذي يرأس حاليا رئيسا لبلدية الطفيلة الكبرى و آخرون استلموا وظائف في مؤسسات الدولة يشار لهم في عملهم و أخلاصهم بالبنان .

تتلمذ على يد الشيخ العلامة أحمد الدباغ و لعل المعلومة الجميلة عن الشيخ الدباغ - رحمه الله - أنه سعودي الأصل  و يعيش في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف وصل إلى مدينة الطفيلة ؟ يخبرنا عن ذلك تلميذه الأستاذ عطالله العدينات -رحمه الله- كما حدثه الشيخ الدباغ عندما كان العدينات يجالسه معظم وقته في المسجد و يقول العدينات : كنت نائما في مسجد رسول الله بين اليقظة والنوم إذ سمعت صوت رسول الله يناديه قم يا أحمد وأهدِ أهل الطفيلة و كررها في الثانية والثالثة ولم أكن أعرف أهل الطفيلة و لم أسمع بهذا الأسم أو أين تقع فكانت المرة الثالثة حتى تجلت لي مدينة الطفيلة و تكشفت حتى حسمت الأمر عندها كان لا مناص لي إلا أن أصدع للأمر و أسافر إليها حتى وصل الشيخ الأردن عام (١٩١٥) ، حيث وصل العقبة التي كانت تحت إمارة مكة المكرمة و أشتغل فيها كاتبا لفترة من الزمن ، ثم عين مدرسا في مدرسة الطيبة في الكرك،  بعدها تم نقله إلى الطفيلة بعد خلاف طائفي بين أحد أولياء الأمور الذي اعتنق ولده الإسلام على يد الشيخ أحمد الدباغ .

عاصر الراحل العدينات الشيخ أحمد الدباغ و كان ينهل من علمه الغزير الذي كان لا يبخل به على طلابه و على الراحل العدينات و كان يشرح دروس الدين و اللغة بصورة مبسطة تتناسب مع أعمارهم ويتدرج معهم مرحلة وراء مرحلة حتى تصل المعلومة للطالب بأسلوب سلس لتستوعبه عقولهم، كما كان يخصص للراحل العدينات و أهل المنطقة دروسا يومية بعد صلاة كل عصر ، حيث كان لدى الدباغ مكتبة غنية بالكتب النادرة في الفقه واللغة و الكتب النادرة وفق ما نقل عن الراحل العدينات .

من أغرب مكرمات الشيخ الدباغ التي تحدث عنها الراحل العدينات يقول : كنا نداوم عند الشيخ طيلة أيام الأسبوع وفي نهاية عطلة الأسبوع ننطلق إلى أهلنا حيث مضاربهم في ريف الطفيلة (الظهرة العليا ) (الظهرة السفلى) وعفراء والحسا فمعظم أهالي الطفيلة في العشرينات كانوا يعيشون على الزراعة ورعاية الماشية و في عطلة أحد الأسابيع الريفية انطلقت أنا وزميل لي من أقاربي إلى مضارب أهلنا سيرا على الأقدام كنا نسير وسط الحقول المزروعة بالقمح في سنة خيرة ترتفع فيها زروع القمح وقاماته إلى متر و أكثر فقررنا أن نأخذ جرزة من القمح نقوم بتفريكها عند وصولنا للمضارب و حين هممنا بقطف أول قبضة من القمح سمعنا صوت الشيخ أحمد الدباغ ينادينا و هو يمتطي فرسا و يصعد على أعلى التلة المطلة علينا تركنا ما لدينا فقد تهيء لنا أنه سيزور مضارب عشيرتنا في هذا السهل الواسع و لما وصلنا الأهل سألناهم عن الشيخ الدباغ ، فأكدوا لنا أنهم لم يرونه،  بعدها عرفنا أنه لم يغادر منزله أبدا  وفق الراحل العدينات الذي روى هذه القصة  .

بعدها أصبح ملازما للشيخ السيد أحمد مسعود الدباغ  مع تقدمه في العمر ، حيث درس على يد شيخه سيرة الصحابة و صحيح مسلم ، حيث تأثر بالشيخ الدباغ و مواقفه الدينية كثيرآ ، فكان وفيا له مؤمنا بكراماته التي وهبها الله له خاصة قصة انحباس المطر ويقينه بالغيث بعد صلاة الاستسقاء. 

و تدور أحداث هذه القصة أن الشيخ الدباغ كان يجمع كثير من الحصى في ما يسمى شوالات / أكياس  بعدما يقوم مع مجموعة من الناس بذكر الله عليها و بعض التسبيحات والإستغفار ثم بعد ذلك يطلب من الراحل العدينات ومن معه من الناس أن يلقيها في السيل متذرعا إلى الله تعالى أن ينزل الغيث ، ويقال أنه كلما فعل ذلك تمطر السماء بصورة غزيرة على مدينة الطفيلة بأمر من الله تعالى و كرامة لذلك الشيخ وتسبيحاته على الحصى التي ترمى في السيل ، علاوة على ما كان يقوم به الشيخ الدباغ من جمع الأهالي و الأطفال و الفقراء و المساكين و الدواب في منطقة مفتوحة و الصلاة إلى الله تعالى بأن ينزل الغيث بعدما يكثر من التسبيح والاستغفار لرب العالمين و يقال أن السماء في أحد المرات امطرت بعد فترة وجيزة جدا من الإنتهاء من الصلاة بشكل وافر وفق ما رواه الراحل العدينات  .

اعتبر رمزا من رموز التربية والتعليم في الأردن و تربويا مخضرما و قدوة يحتذى في الإخلاص و التفاني وشخصية فريدة جدا خاصة في ثلاثينيات و أربعينيات و خمسينيات القرن الماضي ، نظرا لمواقفه المشرفة التي ما زالت الأجيال التي عاصرته منذ أكثر من (٩٠) عاما تتحدث عنها في مجالسهم و لقاءاتهم اليومية ، و تترحم عليه في كل ذكر و دعاء ، حيث أصبح الكتابة عنه واجب علينا لما تشكله  شخصيته من قامة تربوية أدبية شعرية و وطنية  إصلاحية لامعة في القرن الماضي ؛ بما إحتوت عليها من علم وثقافة رغم قساوة الحياة ومنغصاتها في ذلك الزمان الصعب ، فقد كان خبيرا في عمله و موسوعة في العلم والمعرفة و التربية و الإصلاح و الشعر ، يعشق البساطة و عدم التكلف ، يتمتع بخصال و مزايا حميدة، زادته احترامًا و تقديرًا و محبة الناس و كل من عرفه و التقى به في ذلك الزمان المبني على الإلتزام في العادات و التقاليد العشائرية .

كان خبيرا في تدريس اللغة العربية للمرحلة الإبتدائية في (الكُتّاب ) و شرح المعلقات الشعرية بصورة جميلة جدا  غواص في صيد جواهرها و يعسوبُ في رحيق معانيها و تنوع فروعها ، حيث أنه قائد في زمانه من المستوى الرفيع للغاية ، ذات الشخصية القوية جدا ، و يمكن أن نطلق عليه ( السنديانة الشامخة )، و من الذين تتملكه جرأة في الحزم و الشجاعة و الإصرار و العزيمة التي لا نظير لها في  تربية الأجيال و إصلاح ذات البين و حل الخصومات في زمانه ، فقد كان حازما في إتخاذ القرارات الصائبة لا يتهاون في تحصيل الحق للمظلوم ، فهو يمزج بين الشدة و اللين في تعامله مع تلاميذه و مجتمعه ووجوه العشائر و شيوخها في ذلك الزمان، فلا هو صلب فيكسر  و لا لين فيعصر و يمكن أن نطلق عليه (الشيخ الحكيم الشجاع) .

لسيرته العطرة الزاخرة بالإنجازات الملفتة للنظر و لطموحه الزائد الذي قل نظيره يمكن أن نطلق عليه (السنديانة التربوية الشعرية ) ، فما أعظمك أيها المربي ذا الفهم العميق ! كم عندك من الفهم لا يقاس حيث أن خارطتك الذهنية عند الأجيال الذين تتلمذوا  على يديك لا يسبر غوره ؟!

 كان نظاميا - رحمه الله -  لا يتهاون مع الأخطاء ، حازمٌ في تصحيحها  ، عازمٌ في إقرارها  ذات  هيبة و وهرة في إتخاذ القرارات لمصلحة العملية التعليمية في (كتاب) و المدارس التي درس فيها ، حيث إن هذه الوهرة و الشدة و الحزم كانت دوما لمصلحة طلبته مما شكلت منظومة متكاملة عملت على إنتاج قيادات تربوية و وطنية و سياسية و إجتماعية ، يشار لها  بالبنان في مجتمعاتنا و مؤسساتنا الوطنية و الخاصة  و أصبحنا نشاهد ثماره و نتاج غرسه على مجتمعنا في المحافظة بعد هذه العقود من الزمان  .

و يقال أنه كان يخرج إلى خارج أسوار كُتّابه إلى الشارع يتفقد طلبته عند القدوم و عند المغادرة بسبب غياب الأمن و الأمان في ذلك الزمن البعيد ، يراقب كل شاردة و واردة حفاظا على أبناء  مجتمعه و لضمان وصولهم إلى بيوتهم خاصة صغار السن  .

يعتبره البعض تربوي من نوعٍ آخرّ  مخلص لمهنته حتى النخاع يعشق عمله و ينقل خبرته للأجيال القادمة بكل براعة و قدوة حسنة ، فهو  مثال للتربوي المخضرم و الشاعر الذكي والإصلاحي صاحب البديهة الذي يحتذى بعطائه وانتمائه لمهنته و وطنه  .

عُلم عنه النشاط والجدية في عمله و تعليمه للأجيال و مثابرته والتزامه و حسن التعامل مع تلاميذه الذين تتلمذوا على يديه في (الكُتّاب) وأصبحوا في ما بعد محط أنظار الجميع في الطفيلة و خارجها في العمل و نجاعة الفكر والّتميّز والمثابرة والإبداع و الذين أصبحنا نذكرهم كأعلام تربوية تتلمذوا على يد الشيخ الأسطورة عطالله العدينات رحمه الله .

تكللت مسيرته التعليمية و الشعرية و أصلاح ذات البين بالنجاح المثمر ، فقد كان له تأثير إيجابي كبير على من تتلمذوا على يديه، فقد استفادوا كثيرا من خبرته الغنية و المتنوعة في التعليم و تعلم اللغة العربية و الشعر و قراءة القرآن الكريم و ترتيله خاصة في تدريسه فيما يعرف ( الكتّاب) فقد ساهم في خلق قامات وقيادات تربوية و وطنية يشار لها بالبنان و يضرب بهم المثل في محافظة الطفيلة من الرعيل الأول و القديم .

***أبرز المؤلفات التي تناولت حياته الأدبية 

- شعراء في الظل لمؤلفه إبنه تيسير عطالله 
- الإذاعة والتلفزيون أكثر من مقابلة 
- برنامج كنوز الأردن حيث كان يعرض على شاشة التلفزيون الأردني 
- جريدة الرأي والدستور عدة مقابلات 

***أبرز الجوائز التي حصل عليها 

- جائزة الشعر الأولى في ملتقى بصيرا الثقافي عام ٢٠٠٥
- أكثر من جائزة من ملتقى الطفيلة الثقافي 
- حصل جوائز عديدة تقديرا لعطاءه نظير مشاركته في معظم المهرجانات الدينية و الوطنية و الإجتماعية على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان  .

رحم الله فقيد الاردن أبا تيسير و أسكنه فسيح جناته و جزاه الله جزيل الجزاء على ما قدم من علم و إصلاح و كرم و إنجازات وسيرة عطرة مليئة بالأعمال الصالحة التي سوف تبقى عالقة في ذاكرة التاريخ بأحرف من نور 

حفظ الله ذريته وجعلها من أهل الصلاح والنهج على طريق المربي الراحل عطالله العدينات رحمه الله.